بعد وفاة أتاتورك تولى عصمت أينونو رئاسة الجمهورية التركية من عام 1938 حتى عام 1950 وقد استطاع أينونو أن يحتفظ بحياد تركيا في أغلب فترات الحرب العالمية الثانية، ولكن في فبراير عام 1945 أعلنت تركيا الحرب على ألمانيا. واليابان وفى عام 1947 دخلت تركيا في تحالف اقتصادي وعسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية. وبدأت منذ ذلك العام في تلقي المساعدات العسكرية والاقتصادية من الولايات المتحدة الأمريكية وفى عام 1952 انضمت تركيا لعضوية حلف شمال الأطلنطي لتصبح رسمياً عضواً في المعسكر الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة، وقد استطاع عصمت أينونو إدخال العديد من الإصلاحات الديمقراطية والليبرالية، حيث سمح بظهور أحزاب المعارضة وإنهاء نظام الحزب الواحد في عام 1946، وفاز الحزب الديمقراطي المعارض (DP) بأول انتخابات حرة أجريت عام 1950 وظل هذا الحزب فى الحكم لمدة عشر سنوات لاحقة وأصبح عدنان مندريس رئيساً للوزراء، وسيلال بيار رئيساً للجمهورية[1].
وفى مايو 1960 قاد كمال جورزيل انقلاباً عسكرياً واستطاع أن يسيطر على منصب رئيس الجمهورية ويزيح الحكومة القائمة وأصدر دستوراً جديداً في عام 1961، وهو العام الذي شهد عودة الحياة المدنية مرة أخرى، وتكونت العديد من الحكومات الائتلافية رأس معظمها عصمت أينونو حتى عام 1965، وهو العام الذي شهد فوز حزب العدالة بالانتخابات التشريعية وتولى رئيسه سليمان ديميرل رئاسة الحكومة حتى مارس 1971 عندما أجبرها الجيش على الاستقالة. وما لبث أن عادت الحياة المدنية مرة أخرى في أبريل عام 1973 عندما اختار البرلمان التركي فخري كوروترك رئيساً للجمهورية، وفى يناير أصبح بولنت أجاويد زعيم حزب الشعب الجمهوري رئيساً للوزراء. وفى ذلك العام قامت القوات التركية بغزو الأجزاء الشمالية من جزيرة قبرص لحماية الأقلية التركية في تلك الجزيرة. وتلى ذلك عدم استقرار شهدته تركيا وتصاعدت موجات العنف السياسي وتكونت العديد من الحكومات الائتلافية التي تناوب على رئاستها كل من سليمان ديميرل وبولنت أجاويد، وقد قاد عدم الاستقرار هذا الذي كاد يصل إلى حرب أهلية إلى انقلاب عسكري في 12 سبتمبر 1980 قاده رئيس الأركان العامة الجنرال كنعان ايفرن، الذي شكل مجلس الأمن القومي (NSC) وكون حكومة معظمها مدنيون. وفى أبريل 1981 صدر قرار بمنع جميع الساسة السابقين من ممارسة العمل السياسي، وفى أكتوبر من نفس العام حلت جميع الأحزاب السياسة القائمة[2].
وفى نوفمبر 1980 وافق الشعب التركي على الدستور الذي أعدته الجمعية التأسيسية في أكتوبر 1981، وفى عام 1983 عادت الحياة المدنية مرة أخرى وسمح بقيام الأحزاب السياسية وأجريت انتخابات تشريعية في ذلك العام فاز فيها حزب الوطن الأم بمعظم مقاعد البرلمان وشكل رئيسه تورجوت أوزال الحكومة في ديسمبر من ذلك العام، وفى نوفمبر 1989 تم اختيار تورجوت أوزال رئيساً للجمهورية ليكون أول مدني يتولى هذا المنصب منذ عام 1960، وظل أوزال رئيساً للجمهورية حتى وفاته في أبريل 1993 وعندها خلفه سليمان ديميرل في يونيو من نفس العام انتخبت تانسو تشيللر كرئيسه لحزب الطريق القويم (DYP) وأصبحت رئيساً للوزراء كأول سيدة تتولى هذا المنصب في تركيا[3].
وفي الانتخابات التشريعية في ديسمبر 1995 فاز حزب الرفاه (RP) ذو التوجه الإسلامي بزعامة نجم الدين أربكان بالمركز الأول (19.7%)، ولكن لم يفز بالأغلبية المطلقة التي تمكنه من تشكيل الحكومة بمفرده، ومن ثم كان عليه الدخول في ائتلاف حكومي مع أحزاب أخرى، وهو ما رفضته بقية الأحزاب حتى تفوت عليه فرصة قيادة الحكومة. وتحالف كل من حزبي الطريق القومي والوطن الأم وشكلا حكومة ائتلافية في الفترة من مارس – يونيو 1996، وبانهيار هذه الائتلاف سمح لحزب الرفاة بالمشاركة في الحكم في يونيو 1996 في ظل ائتلاف مع حزب الطريق القديم بقيادة تانسو تشللر وأصبح أريكان في نهاية يونيو أول شخص ذا توجه إسلامي يتولى منصب قيادي في تركيا منذ عام 1923، ولكن أريكان تعرض لضغوط شديدة من قبل المؤسسة العسكرية دفعته للاستقالة من الحكومة في 18/6/1997، ثم صدر قرار المحكمة الدستورية بحل حزب الرفاة في يناير 1998 باعتباره يهدد الطبيعة العلمانية للدولة. وتلا استقالة أريكان تكليف الرئيس ديميريل لزعيم حزب الوطن الأم سعود يلحظ تشكيل حكومة ائتلافية. وفى 11 يناير تولى بولنت أجاويد رئاسة الحكومة في تركيا، وفى مايو 2000 تم انتخاب أحمد نجدت سيزار رئيس المحكمة الدستورية، رئيساً لتركيا خلفاً لسليمان ديميريل بعد أن حصل على 330 صوتاً من أصل 533 في الجولة الثالثة للتصديق في المجلس الوطني الكبير[4].
وفى شهر يوليو 2002 عاشت تركيا أزمة سياسية داخلية بسبب موجه الاستقالات التي شملت العديد من الوزراء والعديد من نواب البرلمان وذلك بسبب إصرار رئيس الوزراء بولنت أجاويد (77 عاماً) على عدم التنحي وإجراء انتخابات مبكرة، وكان قد تم اتفاق زعماء الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحاكم في تركيا (الذي ضم أجاويد رئيس الوزراء ورئيس حزب اليسار الديمقراطي ودولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية، ومسعود يلحظ زعيم حزب الوطن الأم) على إجراء انتخابات مبكرة في 3 نوفمبر 2002ا. وفى الانتخابات التي جرت في نوفمبر عام 2002 فاز حزب العدالة والتنمية، الذي يرأسه رجب أردوغان، في الانتخابات البرلمانية التركية، وتم تصعيد عبد الله جول نائب رئيس الحزب رئيساً للوزراءن وقد فازت حكومته بثقة البرلمان في أواخر نوفمبر عام 2002[5].
[1] للمزيد يمكن الرجوع الى: محمد نور الدين ، السياسة الخارجية التركية . اسس ومرتكزات ، الدوحة ، مركز الجزيرة للدراسات ، 2009 ، سماح محمد السيد عبد الحفيظ، العلاقات العربية مع دول الحوار الجغرافي، دراسة في طبيعة العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، رسالة ماجستير غير منشورة ، القاهرة ، جامعة حلوان، كلية التجارة، 1995.
[2] تناولت العديد من المصادر تطور الإنقلابات العسكرية التركية منها
Megan Garvey, “State Department to U.S. citizens in Turkey: Do not go to our consulates or embassy,” Los Angeles Times, 16/7/2016
“The Situation in Turkey,” Press Statement by John Kerry, U.S. Department of State, 15/7/2016, accessed on 21/11/2016
[3] راجع في تفصيل ذلك: ميثاق خير الله جلود، العلاقات الخليجية التركية 1973-1990 ، بغداد ، جامعة الموصل، مركز الدراسات الإقليمية ، 2008
[4] في تفصيل تطورات الحياة السياسية التركية يمكن مراجعة:
Gardiner Harris, “John Kerry Rejects Suggestions of U.S. Involvement in Turkey Coup, NYT,” The New York Times, 17/7/2016
Victor Kotsev & John Dyer, “Turkey blames U.S. for coup attempt,” USA TODAY, 18/7/2016
[5] للمزيد راجع: د. على جلال معوض، الدور التركي في الشرق الأوسط في عهد حكومة العدالة والتنمية 2002-2010، الورقة البحثية رقم “22”، القاهرة، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، 2011، ص.ص. 7-8