لقد برز “الشيخ صباح الأحمد” من بين الشخصيات التي ساهمت في صنع تاريخ وطنها، فقد لقب بـ”شيخ الدبلوماسيين العرب والعالم” وبـ”عميد الدبلوماسيين فى الكويت”، فهو أقدم وزير للخارجية في العالم قاطبة؛ إذ تولى هذا المنصب في التشكيل الوزاري الثاني بتاريخ الكويت في 28 يناير عام 1963. واستمر “الشيخ/ صباح الأحمد” متقلداً هذا المنصب في جميع الوزارات التي شكلت منذ عهد الاستقلال وحتى الوزارة الخامسة عشرة في 20 إبريل عام 1991. كما تولى “الشيخ/ صباح الأحمد” منصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية منذ الوزارة السادسة عشرة في 18 أكتوبر عام 1998 وحتى الوزارة العشرين والتي شكلت في 14 فبراير عام 2001 .
لقد حضر الشيخ صباح الاحمد كل القمم العربية منذ إنشاء مؤسسة القمة العربية، ولم يغب عنها إلى عام 1996، عندما تصادف أن عقدت القمة بينما هو مستقيل في واحدة من استقالاته التي كان يعتبرها الطلقة الأخيرة في معرض عن رأيه ، كما جرب المحاور العالمية، وكان يحتاجها جميعاً لحفظ استقلال بلاده من طمع عراقي راسخ، فإنه جرب سياسات المحاور العربية في حقب الحروب الباردة والساخنة العربية – العربية على مختلف أنواعها وأشكالها، فاختار سياسات تحفظ خيط اللقاء مع الجميع، وتنبذ خيوط الفراق والتصادم فكانت السياسة الكويتية نموذجاً في الجمع بين كل الأشقاء الكبار على ذات الدرجة من التساوي في عهود عبد الناصر وسعود بن عبد العزيز وفيصل بن عبد العزيز وغيرهم من القادة. وبفضل هذه السياسة، أمكن للكويت أن تشبع شعبها فكراً قومياً دون أن تتخلى عن نظامها المحافظ، وكانت الكويت أول من يتبادل التمثيل الدبلوماسي مع موسكو الشيوعية، واعترفت بنظام بابراك كارمل في كابول، لكنها احتفظت بعلاقة ودية مع المجاهدين عبر سيل التبرعات والمتطوعين وسجل الزيارات المتكررة لبرهان الدين رباني وعبد رب الرسول سياف وغيرهم.
وعلى الجانب الآخر سعى الشيخ صباح الى التوسط فى حل المشكلات بين الأشقاء العرب مثل الخلاف المصري – اليمني، والخلاف المصري – السعودي، فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، بالإضافة إلى القضية الفلسطينية والخلاف الأردني – الفلسطيني والإطماع العراقية في الكويت. كما بذل جهداً دبلوماسياً كبيراً من أجل التضامن العربي، واستمر حتى الوقت الحالي واستطاع حل ملفات عربية حساسة، ومن خلالها نظم العمل الدبلوماسي العربي، منها الخلاف العماني – اليمني، وخلاف الرئيس الراحل جمال عبدالناصر مع ملك المملكة العربية السعودية الراحل فيصل بن عبدالعزيز وتوحيد اليمن واستقلال البحرين واتحاد الإمارات العربية والحرب الأهلية اللبنانية واقتراحه باستخدام النفط كسلاح والذي تبناه الملك فيصل في حرب 1973، والحرب العراقية – الإيرانية. وفى هذا يمكن الاشارة الى دوره في حرب الناقلات والذي استطاع خلاله أن يقنع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن بأن ترفع أعلامها على ناقلات النفط الكويتية لحمايتها ودوره في قيام مجلس التعاون الخليجي والمحافظة عليه ككتلة مؤثرة، بالإضافة إلى دوره المتميز في استقرار دول شمال أفريقيا.
ولقد أكد وزراء الخارجية في مختلف الدول العربية أن زيارات “الشيخ/ صباح الأحمد” لدولهم لها أهمية خاصة، تسبقها استعدادات مكثفة، كما أن كل تصريح يدلي به يتم تحليله كاملاً لمعرفة المحاور التي يدور حولها، ذلك أن تصريحاته كفيلة بحسم الموقف أثناء المباحثات الرسمية أو في المؤتمرات سواء الخليجية أو العربية أو الدولية، وهذه مهارة لا تتوفر لكثير من الدبلوماسيين. ذلك أن تراكم التجارب والخبرات لدى الشيخ صباح الأحمد اكسبته علاقات لا مثيل له من خلال نشاط دبلوماسي كبير التقى خلاله العديد من رؤساء الدول ووزراء الخارجية.
وعلى الصعيد العربى اختط “الشيخ/ صباح الأحمد” لسياسة الكويت خطاً حكيماً تجاه الدول العربية مكرساً إيمان الراحل عبدالله السالم بأن الكويت “بلاد العرب”، فهو يرى في انتماء الكويت العربي واجباً قومياً وأصيلاً. لذلك لم يتخلف عن نصرة جميع القضايا العربية وفي مقدمتها قضايا الخليج. حيث استمر فى دعم دول الخليج العربية للحفاظ على سيادتها ووحدة أراضيها واستقلالها الوطني، كما قدم كل المساعدات الممكنة لها، حيث كان له الدور المشرف في اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، وقضية جزرها المحتلة، وله دور كبير في تأكيد عروبة البحرين ، وله دور في صعود سلطنة عمان، وله دور تاريخي في تأصيل العلاقات مع المملكة العربية السعودية، فضلاً عن دوره في إطفاء نار الحرب العراقية – الإيرانية وتقريب وجهات نظر كل من العراق وسوريا إبان الحرب. كما كان له دور بارز فى دعم مصر وسوريا والأردن بعد نكسة 1967، وانتصار 1973 والحرب اللبنانية، ودوره في انطلاقة الثورة الفلسطينية على أرض الكويت ، وحمل الشيخ صباح هموم الأمتين العربية والإسلامية بأسرهما وواجه فترة الاحتلال العراقي بكل شجاعة وإيمان حتى أحق عادت الكويت حرة من هذا العدوان الغاشم.
كما سعى الشيخ صباح الأحمد الى تحديث الدولة وتطويرها ويقول في هذا المجال “التنمية هي للإنسان قبل أي شيء آخر” ويبدو أن هذا الأفق السياسي ليس مستغرباً على الابن الرابع لحاكم الكويت الأسبق الشيخ أحمد الجابر الصباح الذي حكم الكويت طيلة عقود العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين، بما في هذه العقود من حركة تشكل سياسي صاخبة في المنطقة، وبالرغم من كل ذلك عبرت الكويت إلى استقلال حقيقي ودولة حديثة بموارد مالية ضخمة، وربما كان لوالده فضل خلق هذا الحافز ليكون لاحقاً أحد أعمدة الحكم الرئيسية في الكويت، إذ عينه أثناء حياته عضواً في اللجنة التنفيذية العليا التي عهد إليها بمهمة تنظيم دوائر الدولة في عام 1945، وكان حينها في السادسة عشرة من عمره تقريباً، وقد يكون لهذا الدخول المبكر لمنظومة الحكم أثرة في تشكيل رؤيته لتطوير الكويت وربما يمكن الذهاب إلى أكثر من ذلك والقول بأن تفتح وعيه السياسي في حقبة الأربعينيات والخسمينيات على المد العربي جعله مؤمناً بأن هذا قدر استراتيجي لبلده، وليقول بعد أكثر من أربعة عقود: ” الكويت لم تكفر سابقاً بعروبتها ولا حالياً، نحن عرب وسنبقى عرباً، ولا خير فينا إذا لم نؤمن بعروبتنا”.
وهذا الحس العربي يتجلى بشكل أكثر وضوحاً حينما تسلم “الشيخ/ صباح الأحمد” مسئولية دائرة الشئون الاجتماعية والعمل ودائرة المطبوعات والنشر عام 1955، وليصدر فى عهده أهم مطبوعة عربية ثقافية على الإطلاق في الوطن العربي، استطاعت أن تجمع العرب حولها من المحيط الى الخليج وهى مجلة “العربي” التي انطلقت بتوجيهات مباشرة منه، واستقدم لرئاسة تحريرها في أول مراحلها المفكر العربي اللامع في تلك المرحلة الراحل د. أحمد زكي، وربما يحسب للشيخ صباح في بواكير عمله السياسي أنه ربط بلاده بنشر الثقافة في محيطها العربي، وكانت بحق أحد الأجنحة التي حلقت بالكويت عالياً وأسهمت في خلق بعد يعوضها عن المساحة الجغرافية الصغيرة.
وهكذا تطبعت سياسة الكويت بطبع “الشيخ/ صباح الأحمد” الذي يؤمن على ما هو واضح منه بالإبقاء على شعرة معاوية مع الجميع ، وبمقولة “اكسب الأصدقاء قدر ما تستطيع، فإن لم تستطع فلا أقل من تحييدهم”. وقد انعكست فلسفته هذه بشكل واضح بنجاحه في جمع القوتين العظميين على مصالح مشتركة لهما في الخليج إبان حقبة الثمانينيات التي شهدت الحرب العراقية – الإيرانية. و هذا الجهد المتواصل للشيخ صباح الاحمد شكل نمطا مختلفا للسياسة الخارجية الكويتية ، بدءاً من دعم القضية الفلسطينية، ومروراً بتطبيع الأجواء اللبنانية، وصولاً إلى تأسيس خطوات الوحدة اليمنية، وكانت في أثناء ذلك مع استقرار السودان، ومع توحيد الإمارات المتصالحة أو دولة الإمارات العربية المتحدة لاحقاً، ومع تنقية العلاقات بين عمان واليمن الجنوبي، وفي ذلك كان “الشيخ صباح الأحمد يؤسس لنظرية كويتية ملخصها ضرورة الوجود الإيجابي في محيطها واستخدام ثروتها لتنمية حقيقية ليس في الداخل فقط، وإنما في الجوار أيضا.
وفي الشق القومي تحديداً ومن موقعه كوزير للخارجية مدة نحو نصف قرن تقريباً .. ثم عبر اهتماماته بالقضايا القومية يمكننا أن نقرأ سلسلة من الإنجازات التي حققتها قمة الكويت العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية، وتصدرها الشيخ صباح منذ قمة الإسكندرية، أولى القمم التي حضرها شابا متحمسا ووحدويا، وبصفته وزير خارجية دولة الكويت المنضمة حديثاً آنذاك لجامعة العرب، وحتى القمة الأخيرة التي جاءت بعد عشرين قمة عادية وعشرات طارئة. وخلال الفترة من 28 إلى 29 مارس 2006 ترأس الأمير وفد دولة الكويت في مؤتمر القمة العربية الـ18 لجامعة الدول العربية، الذي عقد في العاصمة السودانية الخرطوم، وفي كلمته التي ألقاها في المؤتمر أشاد سموه بمبادرات سمو أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد في دعم العمل العربي المشترك والخطوات التي بدأت لتفعيل جامعة الدول العربية وتطوير بنائها المؤسسي.
وفي 13 إبريل استقبل أمير البلاد الرئيس المصري حسني مبارك في مدينة مرسى علم المصرية، حيث كان في زيارة خاصة وبحث معه العلاقات الثنائية وسبل تدعيمها، إضافة إلى توسيع إطار التعاون المشترك، كما جرى بحث القضايا ذات الاهتمام المشترك وآخر التطورات على الساحتين العربية والدولية. وقام سموه في 21 أغسطس 2006 بزيارة رسمية إلى مصر استمرت يومين التقى خلالها الرئيس المصري حسني مبارك في الإسكندرية وبحث معه تطورات الأوضاع في المنطقة، ولاسيما على الساحات اللبنانية والفلسطينية والعراقية، إضافة إلى العلاقات الثنائية المتميزة[1]. كما ترأس سموه في 27 مارس 2007 وفد الكويت لمؤتمر القمة العربية الـ19 الذي عقد في الرياض.
[1] جريدة الرأى العام ، الكويت : صحيفة يومية شاملة ، أعداد متفرقة