كورونا والشائعات الإلكترونية
د. محمد صادق اسماعيل
مدير المركز العربي للدراسات السياسية
يترتب على نشر الشائعات فى المجتمع العديد من الآثار السلبية فى النواحى الحياتية المختلفة سياسيا واجتماعيًا واقتصاديًا وقيميًا، ومن أبرزها تدمير النظام القيمي والسلم الاجتماعي، تعيش العديد من المجتمعات وبينها العربية والإسلامية نوعًا معقولًا من التجانس والاستقرار النسبي في ضوء نظمها القيمية وضوابطها الاجتماعية، فهناك علي سبيل المثال الصدق الأمانة, الإيثار, التكافل الشعور بالمواطنة, صيانة المال العام , والإخلاص في العمل وغيرها من القيم والمعايير والتي يؤدي خرقها إلي اضطراب المجتمع، وهذا هدف لا يغيب عن بال الأطراف الاخري ومخططي الحرب النفسية ومروجي الشائعات من خلال البرامج الموجهة في هذا المجال.
ولاشك ان انتشار الشائعات الإلكترونية المرتبطة بقيروس كورونا قد أدت الى تعميم مشاعر الإحباط في المجتمع، فشل الإنسان في إشباع حاجاته الضرورية بيولوجية كانت أم نفسية، وتكرار هذا الفشل يؤدي إلي الشعور بالإحباط, وهي حالة نفسية تستثير العدوان الذي عادة ما يوجه إلي ذات الإنسان حيث الرغبة في إيذاء الذات والعزلة والاكتئاب, أو نحو الخارج من أشخاص أو مؤسسات أو دوائر حكومية حيث الميل إلي تدمير الممتلكات العامة أو التخريب النفسي, مثل عدم الإخلاص في العمل وتجنب تحمل المسئولية ووضع العراقيل أمام تقدم الأخريين وهي نقاط ضعف تغري العدو لوضعها أهدافاً لحربهم النفسية الموجهة من خلال الشائعات.
أضف لذلك فقد أدت تلك الشائعات الى تدني للمعنويات وإعاقة للفكر، أن انتشار الشائعات في المجتمع يعتبر وسيلة لانتشار تدني الحالة المعنوية , فالطرف المستهدف للشائعة هو المعني بتمزيق معنوياته كما أن الشائعات يمكن أن تبني حواجز تحجب من خلالها انتشار الحقيقة فيحدث نوع من البلبلة في التعرف علي الحقائق وربما يصعب تصديقها كل هذا يولد مناخًا مربكًا للناس ويؤثر علي مصداقية الرأي العام ويفسح المجال لانتشار الأكاذيب والأخبار المبنية علي مقاصد سيئة مما يبث طاقات سلبية في المجتمع
وتتميز الإشاعة الإلكترونية بالخفاء، حيث يسهم توافر خاصة الخفاء فى تشجيع السلوك الإجرامى والمضاد للمجتمع، حيث تبرز جرائم مثل التشهير بالآخرين (libel)، أو الانتحال (impersonation) أو الاحتيال عبر الشبكة (fraud).
وقد وفر الإنترنت خاصية الانتشار للشائعة بما يجعلها عابرة للحدود الوطنية ولا تتوقف عند الفضاء الوطنى، وإنما يصبح جمهورها الفضاء الكونى مما يزيد من خطورتها وتأثيراتها السلبية، ففى السابق كانت الحكومات تستطيع منع المطبوعات التى قد تحمل أخبارًا تراها مسئية للدولة عامة. ولذلك أنشأت العديد من الدول إدارة للمطبوعات والنشر من ضمن مهامها الحكم على المدخلات المكتوبة داخل الحدود السياسية للدولة واجازتها. أما فى الشائعة الإلكترونية فانها تتجاوز هذه الحدود وتدخل كل بيت دون استئذان من صاحبه.
ونظرًا لما يتمتع به عصر المعلوماتية من الإنفتاح الفكرى، وما يتعرض له الإنسان من خبرات فى هذا العصر، فإن استعداد الإنسان لتقبل الأفكار الجديدة أصبح يميز هذا العصر دون التأكد أحيانًا من مصادر هذه الأفكار، فكل شئ أصبح ممكنا فى عصر التكنولوجيا المتقدمة. كما أن عجز الإنسان فى هذا العصر عن الإلمام بكل ما هو موجود من أفكار ومعلومات فى شتى المجالات حتى فى مجال تخصصه واهتماماته الدقيقة، يجعل هذا الإنسان على استعداد لتقبل أى أفكار مدعومة بالأسانيد (الكاذبة) أو على أنها نوع من الخيال العلمى القابل للتطبيق.
ورغم ما تقدمه الشبكات الاجتماعية من مزايا عدة، إلا أنها تحمل الكثير من المخاطر والتهديدات السلبية على أمن المجتمعات واستقرارها، خاصة إذا ما تم توظيفها من قبل المجموعات والتنظيمات الإرهابية، حيث تستخدم شبكة الانترنت وعوالمها الافتراضية فى نشر الشائعات والأكاذيب، فطبيعة هذه الشبكة تسمح لها بأن تصور لك بعض الأمور والقضايا والحوادث والمستجدات الاجتماعية والسياسية بطريقة معينة فيها الكثير من المبالغة التى لا تكتشفها إلا حين تخرج إلى الشارع وتتحدث مع آخرين فى المجالس الخاصة والعامة خاصة فى المناسبات، لتكتشف ضآلة القضية التى يجرى تداولها عبر صفحات الانترنت. وهو ما يمكن معه القول إنه ففى الوقت الذى شكلت وسائل الإعلام الجديد انفتاحًا معلوماتيًا لا يمكن تجاهله، وفورية في تناقل الأخبار وصناعة الحدث، تحولت من ناحية اخرى إلى وكالات أنباء لنشر الشائعات التي يتبادلها مستخدموها إمّا قصدًا أو سذاجة، بغير علم ولا تحر لمصداقية الأخبار المتناقلة. وطالت الشائعات التي توزع وبالمجان أناساً ربما كانوا منها براء، حيث إن الخلط بين تقصي الحقيقة وزيادة وعي المجتمع، والانجراف وراء الأخبار المتناقلة من دون البحث عن مصدرها الحقيقي وحقيقة الخبر ومعالجته وطرحه بموضوعية، جعل من مواقع التواصل الاجتماعي أداة تحرك من وراء الستار من دون إدراك أو تحليل منطقي، وهو ما يمكن أن نرجعه إلى عاملين:
- الأول، التكتلات الفكرية أو المذهبية أو الطائفية والشللية التى يقوم بها بعض مستخدمى الإنترنت، فيضخمون حادثة بغرض التأثير على الرأى العام، ظنا منهم أن ذلك سوف يصل إلى صانعى القرار، فيبنون عليه ما سعوا إلى ترويجه وتضخيمه وبيان أهميته أو ضرره بحسب الموضوع، خاصة وأن الجهات الرسمية تتابع الإنترنت من باب الاستئناس بما يُطرح ومعرفة توجه أطراف معينة تجاه موضوع معين. مع الاخذ فى الاعتبار أنهم يبنون قراراتهم على ما يصوره مستخدمو الإنترنت.
- الثانى، إلى جانب وجود هذه التكتلات والشلل بهدف ابراز قضية بعينها، بما يكون فى ذلك سلبية وخداع فى كثير من الاحيان، إلا ان هذا الامر يهون إذا ما قورن بقيام بعض المشاركين فى تلك المنتديات باستخدام عدة معرفات (أسماء) وطرح مواضيع والتعليق عليها والاشادة بها، فينخدع كثيرون بما يطرح ويظنون أن هناك توجهًا مجتمعيًا وميلًا نحو هذا الموضوع.
ومن الأهمية بمكان التركيز على دور هذه المنتديات كأماكن لتجمع مستخدمى الإنترنت بمختلف أطيافهم ومشاربهم، حيث تذهلك هذه الحالة حينما تتأملها، وذلك حينما نجد أن هناك موضوع يقرأه عشرون أو ثلاثون ألف فى دقائق كلهم مجتمعون فى نفس المنتدى بغرض تبادل الرأى والتشاور ومطالعة ما يطرح من مستجدات والتعليق عليها. وجدير بالذكر أن هذه المنتديات تتنوع ما بين منتديات سياسية واجتماعية وتعليمية ورياضية وتقنية وغيرها الكثير، كما ان هذه المنتديات كانت من أهم أساليب التواصل ونشر المعلومات التى استخدمتها الفئات والجماعات الإرهابية والهدامة لنشر أفكارهم.
وجدير بالإشارة أن ترديد الإشاعات الخاصة طبيعة بشرية تلازم الكثير من الناس منذ الأزل، فإن الإعلام الجديد وتقنيات الاتصال الحديثة وسعت نطاق ممارسة هذه العادة غير الحميدة والضارة بالأفراد والمجتمعات، ففي السابق كانت المجالس والديوانيات والملتقيات الاجتماعية وجلسات المقاهي، وكذلك جلسات الشاي الصباحي لربات البيوت بيئات خصبة لنشر الشائعات والقيل القال، ونقل الأخبار عن فلان وعلان.. أما الآن فقد تولت شبكات التواصل الاجتماعي، كالفيسبوك وتويتر وبرامج المراسلة الفورية وأشهرها “الواتساب” دور المجالس والديوانيات في كونها مجالس افتراضية خصبة يمارس فيها الناس عاداتهم في نقل الأحاديث والإشاعات، إما من باب حسن النية وفضول القيل والقال، أو لنوايا سيئة لدى بعض ضعاف النفوس، كالتشهير بالأشخاص أو الجهات، أو بغرض البلبلة والإخلال بالأمن والسلم المجتمعي.
في السابق، كانت الشائعات تنشر على نطاق محدود في المجالس والديوانيات الواقعية، وتأخذ فترة طويلة أحياناً حتى تنتقل شفاهية عبر الاتصال المباشر من فم المرسل إلى أذن المتلقي، ومن فمه إلى أذن آخر.. أما اليوم في عصر “تويتر” و”الواتساب” فإن الشاعة قد تلف الكرة الأرضية، وتنتشر لتبلغ عشرات الآلاف أو الملايين في غضون ساعات حسب درجة الإثارة في الإشاعة. وكثير ممن يستخدمون التقنيات الحديثة يستسهل الأمر بأنه لا يفعل أكثر من أنه نسخ الشائعة ووضعها، كتغريدة في “تويتر” أو نشرها للمجموعة في برنامج التواصل الفوري، وهكذا تنتقل الإشاعة بين المجموعات وشبكات التواصل الاجتماعي، وتحقق انتشارها الكبير.
ومما يزيد الأمر خطورة أيضًا، ما ظهر مؤخرًا من قيام عدد من مستخدمي الانترنت بتدشين مواقع وحجز دومين قريب من مواقع إخبارية او سياسية شهيرة وذلك بغية بث الشائعات والمعلومات المضللة وهو ما تسبب في إحراج شديد للمؤسسات الأقدم والأشهر في العمل الإعلامي أو الأمني، واعتمد هؤلاء على حجز أسماء دومين على الانترنت إما يكون شبيها باسم آخر ويختلف فقط في آخره او ان يتم حجز نفس الاسم على نطاق مختلف .com أو .co أو . info أو .net أو .me وغيرها. ومن أمثلة ذلك موقع www.ahram-canada.com وهو موقع اخباري يأتي شبيها بموقع الأهرام الرسمي www.ahram.org.eg ويتم نشر الأخبار علي انها من جريدة الأهرام دون النظر إلى محتواها أو إختلاف اسم الدومين، وهو ما يتم استغلاله في خداع المستخدم حيث يقوم بالتركيز على الاسم الأول فقط ويتجاهل الأخر أو أن يتجاهل عملية التأكد من اسم النطاق الخاص بجريدته وبخاصة إذا كان أول مرة يدخل إليها، وهناك نموذج آخر هو موقع www.youm7.me وهو يحمل اسم خبر عاجل ويأتي شبيها بموقع اليوم السابع www.youm7.com وهو ما يسبب حرجا لهيئة التحرير حيث يتم نشر أخبار غير حقيقية على أنها من جريدة اليوم السابع ودون أن تملك تلك الجريدة القدرة على وقفها أو السعى فقط الى التحذير من نشر اخبار كاذبة صادرة عن الجريدة، وهناك من أشهر النماذج أيضا موقع www.CIA-NEWS.com وهو موقع يسوق نفسة على أنه تابع لجهاز الاستخبارات الأمريكية وهو يخالف طبيعه عملها، وهو باللغه الانجليزية وهو ما يساعد في عملية نقل الأخبار المغلوطة عنه كمصادر للصحف الصادرة باللغة العربية.