المياه العربية وحروب المستقبل

0 2٬225

  إن قضية المياه في الوطن العربي تكتسب أهمية خاصة نظراً لطبيعة الموقع الاستراتيجي للامة العربية، حيث تقع منابع حوالي 60% من الموارد المائية خارج الأراضي العربية، مما يجعلها خاضعة لسيطرة دول غير عربية، وما يزيد الأمر تعقيداً يكمن فيما يعانيه الوطن العربي من فقر مائي يصل في وقت قريب الى حد الخطر مع تزايد الكثافة السكانية وعمليات التنمية المتواصلة.

     والماء يشكل محور الجغرافيا السياسية في كل مرحلة من مراحل التاريخ في المنطقة وأساس التفاعلات الحضارية والصراعات والتدخلات الخارجية، ففي مصر القديمة بنى الملك أمنحوتب الثالث أول سد لتخزين المياه في التاريخ، وفي اليمن بني سد مأرب في القرن الثامن قبل الميلاد، ولا تزال المنشآت المائية التي بنيت منذ آلاف السنين قائمة ومنتشرة في أرجاء الوطن العربي، وكان الماء موضوع النزاع والهجرات للقبائل العربية طوال التاريخ.

     ومازالت المياه في أوائل القرن الحادي والعشرين مشكلة من أخطر المشكلات التي تواجه العرب، يقول الخبير الأمريكي توماس ناف: “إن المياه في الشرق الأوسط قضية اقتصادية وسياسية واجتماعية، وتمتد لأن تصبح مصدرا محتملا للصراع، وهو مايجعلها ذات بعد عسكري. أضف الى ذلك أن نصيب الفرد العربى من المياه يسير فى اتجاه هبوطى مستمر، إذ  بلغ نصيب الفرد في الوطن العربي من المياه عام 1960 حوالي 3430 م3 تناقص عام 1990 إلى 1430 م3 ويتوقع أن يصل عام 2025 إلى 667 م3.

    وتتوزع استعمالات المياه في الوطن العربي على ثلاثة مجالات رئيسية هي الزراعة والصناعة والأغراض المنزلية، وتستهلك الزراعة 87% من المياه، وتستهلك الصناعة 7% ويستهلك للأغراض المنزلية 6% من المياه. ويحتاج توصيل المياه إلى المستهلكين فى عالمان العربى إلى منشآت وتجهيزات معقدة واستثمارات مالية كبيرة لإنشائها وتشغيلها، وقد مولت البنوك الدولية خلال الفترة: 1960 – 1990 مائة مشروع مائي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحوالي 6.4 مليار دولار، وتشير تقديرات المعهد الدولي للموارد عام 1992 إلى أن الاستثمارات في قطاع المياه تمثل 10% _ 20% من الاستثمارات الحكومية أو 2% _ 4% من الناتج القومي الإجمالي لدول المنطقة، ويقدر المعهد نصيب الفرد من إجمالي الإنفاق على مشروعات المياه في المنطقة بحوالي 100 _ 200 دولار أمريكي. ومازالت الدول العربية تقدم دعما ماليا كبيرا لقطاع المياه، وتنفق الدول العربية الخليجية مبالغ كبيرة على تحلية مياه البحر، وتبلغ تكلفة تحلية المتر الواحد حوالي دولار أمريكي وقد تصل إلى دولارين.

    وعلى الجانب الآخر وبالنظر الى بعد هام فى قضية المياه وهو الخاص بالأطماع الإسرائيلية فى المياه العربية، فنلاحظ أن الاهتمام الصهيوني بالمياه العربية قد بدأ في وقت مبكر؛ فقد كانت المسألة المائية قضية أساسية واكبت الحركة الصهيونية منذ نشأتها، وزادت إسرائيل المشكلة تفاقماً بعد حرب عام 1967 م؛ إذ تمكنت من السيطرة على مصادر المياه العربية، وبخاصة في الجزء الجنوبي من نهر الأردن، وأدى سحبها الجائر للمياه إلى إلحاق أفدح الأضرار بالأراضي الزراعية العربية الممتدة على جانبي النهر، حيث بلغ استخدامها لمياه نهر الأردن نحو 55%، في الوقت الذي حُرم الفلسطينيون من استخدام مياهه التي كان من المقرر أن تبلغ حصة الضفة الغربية منها وفقاً لمشروع جونستون نحو (220)مليون متر مكعب، أضف إلى ذلك استغلالها لحوالي (45) مليون متر مكعب من مياه عدد من الأودية التي تُقدّر مواردها بنحو (72) مليون متر مكعب من المياه، ومنعها من الوصول للمناطق الفلسطينية.

      وبعد توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية اتُّفق على إنشاء لجنة للتعاون والتنسيق في موضوع المياه، وقد تعهدت إسرائيل عام 1995 بزيادة حصة الضفة الغربية من المياه، وهي ابتداء مياه فلسطينية استولت عليها إسرائيل عام 1967. وقد عالجت اتفاقية وادي عربة التي وُقّعت عام 1994 بين إسرائيل والأردن المياه بتفصيل واهتمام، ويُؤخذ عربياً على هذه الاتفاقية أنها تجاهلت حقوق الدول العربية الأخرى في مياه نهر الأردن ونهر اليرموك، وأدخلت إسرائيل طرفا أساسيا في تعاون عربي أو إقليمي في مجال تنمية الموارد المائية، وأسست لهيمنة إسرائيلية على موارد المياه في نهر الأردن والأحواض الجوفية.

      وعند الربط بين الواقع المائي في إسرائيل وحاجتها المتزايدة للماء في ضوء تدفق الهجرة اليهودية، خاصة ذلك التدفق الكبير من المهاجرين اليهود من الدول التى كانت تشكل الاتحاد السوفيتي المنحل، ومن الدول التى كانت تشكل حلف وارسو المتلاشى، وهو تدفق فاق كل تصور واحتمال.. كل ذلك يؤدى إلى استخلاص عدد من النتائج أهمها أنه على الرغم من أن إسرائيل ظلت تشكو تقليدياً من نقص موارد المياه، إلاّ أن احتياجاتها الأساسية تزايدت بمعدلات كبيرة خلال السنوات الأخيرة، وذلك بفعل تزايد الاستهلاك المائي الناتج عن تزايد أعداد المهاجرين اليهود إلى إسرائيل، وكذلك تضاؤل كميات المياه الواردة من المصادر الموجودة بالفعل؛ فقد ازدادت ملوحة مياه المجمعات نتيجة لاستخراج المياه العذبة، وازدادت نسبة الملوحة في مجرى نهر الأردن جنوب طبريا، كما نقصت المياه الجوفية نتيجة لقلة مياه الأمطار، علاوة على جفاف العديد من الآبار الجوفية في الضفة الغربية وهضبة الجولان.

   لكل هذه الأسباب لا يستبعد المراقبون والمحللون احتمال إقدام إسرائيل على القيام بأعمال عدوانية جديدة للاستيلاء على المزيد من المياه العربية، كما أن جميع هذه الأسباب قد تساعد إسرائيل على اختلاق الذرائع للعدوان المسلح على أراض عربية مجاورة من أجل وضع يدها على موارد المياه العربية أو مصادرة الحقوق المائية العربية، وهى في سلوكها هذا تطبق إستراتيجية “الردع الجسيم”؛ لتبدو قوتها هجومية تردع الجانب العربي عن الدفاع عن أرضه أو مياهه أو حقوقه، فتحقق غرضها دون قتال، وانما بالتهديد- أولاً- باستخدام القوة، وهي قوة هجومية في تكوينها، رادعة في قدرتها،فإذا لم ينفع التهديد فاستخدام السلاح هو البديل.  وفي ضوء رغبة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية الأخرى في تحقيق مصالحها ومصالح إسرائيل سلميا في المنطقة العربية وبخاصة في استغلال الأرض والمياه والنفط وغيرها من الموارد ثم عقد مؤتمر مدريد لحل النزاع العربي الإسرائيلي عام 1991. وفقا لقرارات الأمم المتحدة 242 ، 338 حيث وافقت الدول العربية علي عملية السلام وفقا لمبدأ الأرض مقابل السلام وهذا يعني الأرض وما بها من موارد مائية وغير مائية مقابل السلام.

   وهناك تحديات على العرب مواجهتها لحل مشكلة المياه ولعل اهمها كيفية مواجهة مخاطر الشح المتزايد في مصادر المياه العربية والمترافقة مع التزايد السكاني والتي تتطلب مواجهتها بذل الجهود العربية المشتركة سياسياً واقتصادياً وعلمياً، من اجل تحديد الأولويات في توزيع الموارد المائية وترشيد استثمارها، بالإضافة الى تنمية الوعي البيئي لمخاطر التلوث، وتطوير التقنيات المستخدمة والاعتماد على الأساليب التكنولوجية الحديثة في الري ومعالجة التصحر ومشروعات تكرير وتحلية المياه التي سوف تشهد المرحلة المقبلة تزايداً على استخدامها واستثمارها.

    ومن ذلك يتضح ان على الدول العربية ان تعطي موضوع تنمية الموارد المائية والمحافظة عليها الأولوية القصوى عند وضـع استراتيجيتها الأمنيـة، ويجب ان يكون موضوع الأمن المائي على راس قائمة الأولويات، وذلك بسبب قلة الموارد المائية التقليدية، مما يستدعي العمل الجاد على المحافظة على هذه الموارد ومحاولة تنميتـها وكذلك إيجاد موارد مائية جديدة. وخصوصاً ان معظم منابع الأنهار بيد دول غير عربية مما لا يعطيـها صفة المورد الآمن، كما ان المياه الجوفية، في اغلب الدول العربية، محدودة ومعظمها غيـر متجدد (ناضب) لعدم توفر موارد طبيعية متجددة كالأمطار تقوم على تغذية هذه المكامن وتزيد من مواردها. لذلك يجب أن ينصب اهتمام القائمين على إدارة الموارد المائية على المحافظة على موارد المياه الجوفية وزيادة كمياتها، بل وتحسين نوعيتها واعتبارها مخزونا استراتيجيا في مكامن آمنة.

You might also like More from author

Leave A Reply

Your email address will not be published.