السياسة الخارجية الروسية دكتور محمد صادق اسماعيل

مع نهايات العام 2021، تتواصل المساعى الروسية للحفاظ على مكتسبات سياساتها  الخارجية، يضع في الاعتبار مكانتها في النظام الدولي خاصة في ظل تداعيات أزمة كوفيد 19، وأوضاعها الداخلية والخارجية. ولكن كان هناك إصرار في روسيا على مواصلة استرجاع  مكانتها وتأثيرها، غير أن أهم معضلة واجهتها في تحقيق ذلك هي كيفية إعادة بناء سياسة خارجية جديدة في ظل نظام دولي جديد قد يختلف كثيرا بعد العام 2020 خاصة في ضوء تحديات وتداعيات فيروس كورونا، وتوازى هذا مع استمرار رغبة القوى الدولية في اثبات وجودها خلال العام 2020 مثل الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي لاسيما المانيا وفرنسا الى جانب دول أمريكا اللاتينية.

وعند تحليل سياسات روسيا الخارجية مع القوى الدولية والبؤر المؤثرة بالعالم يجب ان يسير هذا جنبا الى جنب مع استمرار رغبة وإرادة روسيا بأن يعترف العالم بحقها في استرجاع المكانة التي فقدتها عقب الانهيار السوفيتي وفي جعلها تتصرف كقوة كبرى بمسؤوليات عالمية خاصة في ظل تفاعلات جديدة حدثت خلال العام 2020 مع تنامي أزمة كوفيد 19 كذلك الإنتخابات الرئاسية للولايات المتحدة الأمريكية والتي تنافس فيها الرئيس الأمريكي الجمهوري دونالد ترامب مع الديمقراطي جو بايدن ولكلا منهما توجه مختلف مع الجانب الروسي.

 ولهذا ركزت القيادة الروسية خلال العام 2020 على تلك المؤثرات المختلفة، وواجهت صعوبات بعضها متعلق بترتيب الأوضاع الداخلية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً خاصة مع صدور العديد من التعديلات التشريعية التي تؤطر لمستقبل الدولة الروسية، وصعوبات خارجية، فرضها النظام الدولي الذي يمتاز ببروز أهمية العامل الاقتصادي خاصة في ظل مشكلات وصعوبات اقتصادية واجهها العالم كله ومن ضمنها القوى الكبرى نتيجة تداعيات أزمة كوفيد19.

وهكذا هدفت السياسة الروسية الخارجية تجاه القوى العالمية منذ بدايه العام 2020 إلى تطوير دور روسيا في عالم متعدد الأقطاب، لا يخضع لهيمنة قوة عظمى واحدة، والعمل على تفعيل علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول الإتحاد الأوروبي خاصة في ظل أزمات متداخلة ولها تداعيات على تلك العلاقات مثل أزمة غاز المتوسط والتي لها ابعاد متشابكة..

وفي سبيل ذلك، استطاعت روسيا إعادة طرح نفسها كقوة أوروبية ذات عمق آسيوي. وقبل هذا ظهر تياران في السياسة الخارجية الروسية: تيار المواجهة مع الغرب، وكان متمسكاً بالحفاظ على استقلالية السياسة الخارجية، وتعزيز قدرات روسيا العسكرية، وتيار المهادنة الذي تبناه يلتسين طيلة التسعينيات، والذي انجرف وراء الغرب بسبب المعونات الاقتصادية والمالية. وبين هذين التيارين استمرت السياسة الروسية الخارجية الجديدة خلال العام 2020 للقيام بهذا الدور على واقعية تنطلق من إدراك حقيقي لحدود القدرات الروسية وطبيعة المتغيرات الدولية المتسمة بهيمنة قطب واحد: أمريكا. وهذا التوازن الدقيق بين القدرات الروسية والمتغيرات الدولية، دفع بوتين إلى مواصلة تبني سياسة خارجية واقعية، تقوم على التخلي عن التوسع السوفياتي السابق والصراع الأيديولوجي، ولكن مع عدم الانجراف وراء الغرب، بل أصبحت روسيا عازمة على تأكيد مكانة دولية مؤثرة لها، بحيث لا تنفرد أمريكا بذلك.

إذاً تبنت روسيا في العام 2020 وفي ظل سياسة بوتين الواقعية توجهاً وسطياً في علاقته مع الغرب، يقوم على أن الشراكة الاستراتيجية معه، لا تعني التحالف، بل تعني اتخاذ موقف متوازن، وعدم فقدان ما تبقى لها من مواقع على الساحة الدولية، رافضاً موقف التيار اليميني الليبرالي المهادن الداعي إلى توثيق العلاقات مع الغرب في المجالات كلّها، باعتبار ذلك مصلحة استراتيجية وحيوية لروسيا، والتيار المحافظ المتشدد الذي يطالب باستعادة روسيا دورها كقوة عظمى، وأن سياسة المهادنة أدت إلى تراجع مكانتها الدولية. ورغم الضغوط التي مارسها التيار الأول، مستفيداً من سيطرته على الاقتصاد والمال والإعلام، فإن السياسة الروسية الخارجية الجديدة ظلت على مستوى الممارسة الواقعية، تقوم على تبني مواقف متوازنة إزاء القضايا الإقليمية والدولية، من دون ربط هذه السياسة بالمواقف والسياسات الأمريكية في ظل ادارة الرئيس دونالد ترامب. ومن ثم فقد أدى ذلك الى توجه روسيا نحو الاهتمام بإقامة شراكة استراتيجية مع بعض القوى الدولية مثل الصين ودول أمريكا اللاتينية، لمواجهة أمريكا كقطب وحيد على الساحة الدولية خاصة في ضوء الجفاء الأمريكي الصيني الذي بلغ ذروته مع اتهامات الرئيس ترامب للصين بأنها من صدرت كوفيد 19 للعالم بل  ان ترامب تجاوز الى حد اطلاق مسمى الفيروس الصيني.

Comments (0)
Add Comment